في آخر يوم شاق طويل، وقبل أن تتوجه الأم المنهكة إلى النوم، مشت متثاقلة تحمل هموم اليوم، وتمني نفسها بخاتمة شيقة خلف شاشة الكمبيوتر علها تحظى بخبر جميل تقرؤوه أوقصة حلوة تسمعها، فتحت الصفحة وضغطت زر الإستعادة، فطار نومها وتحفزت أعصابها وثار غضبها، بل جن جنونها، حيث ظهر لها نساء ورجال عراة وفي مناظر لا تليق.
إشتغل عقلها بسرعة البرق، وطار صوابها، إنه إبنها الفتي الذي وصل لصف الحادي عشر، كان جالسا هنا قبل أن يتوجه للنوم، تركت كل شيء وركضت إلى غرفته، فتحت الباب بقوة، ودخلت كالإعصار وتوجهت إلى سريره، كان الصبي يغط في نوم عميق فالساعة إقترب من الثالثة صباحا، ودوامه المدرسي يبدأ في السابعة، ولكنها لم تتريث ولم ترحم، أمسكته بحزم يترجم قرارها وهزته بصرامة ألقت فيها كل المشاعر المضطربة في أعماقها، وتوجت ذلك بصوتها الذي رن صداه في الغرفة وهي تقول: استيقظ، استيقظ.. قام الصغير مذعوراً، وهو يتساءل: ماذا حدث؟ زلزال؟ بركان؟ مصيبة؟.... أما تراه موعد المدرسة قد حان؟
صرخت الأم بعصبية زائدة، الموضوع أخطر من هذا، فإرتعد الفتى وإرتجف، ولكنها قالت بإصرار: اذهب إلى الحمام فاغسل وجهك والحقني للغرفة المجاورة، تبعها الصبي المهذب الذي لا يرفض طلبا لأمه، وجلس كالمتهمين، وبدأت الأم في جلسة القضاء، كانت تصرخ وهي تقول: كيف تفعل هذا؟ ألا تعلم أنه حرام؟ كيف طاوعك ضميرك؟ كيف تصرفت هكذا؟ أنت ستذهب إلى النار، لقد حبط عملك كله!
صعق الفتى على أنه لم يفهم بعد، وكيف يفهم والنوم سلطان، والأم تتكلم بالألغاز... وظلت الأم تتكلم حتى أتت منها إشارة، فهم منها المراد، شعر الفتى بالحياء، وصمت، وأطرق رأسه بالأرض.
ولم ترحمه أمه تابعت اللوم والعتاب، وطلبت منه أن يستغفر ربه، ويقوم ما تبقى من الليل حتى يؤذن الفجر، فقام وقد لفه الفزع والخوف، حتى إذا أذن الفجر أشرفت على وضوئه وأمرته أن يتوجه فوراً إلى الجامع، ولما إنتهت الصلاة عاد الصغير إلى البيت وقد بلغ منه النعاس والإنهاك فناولته أمه مصحفاً ومنعته من النوم، حتى إذا أشرقت الشمس، لبس وتوجه إلى المدرسة، وقضى يوماً بئيساً.
سلوك الأم أرعب الفتى وردعه مدة عن هذا العمل، ولكنه عاد إليه -على فترات متباعدة- متخفياً وخائفاً مترقباً، وما نجحت الطريقة الأم البائسة، ولم تدر الأم بأنها أفسدت علاقتها بإبنها، ربما إلى الأبد.
هذه واقعة حقيقة، فهل أصابت الأم في سلوكها؟
وسأكتب جواباً عاماً لمن يقع في مثله: القصة مر عليها بضعة أعوام، وما زلتُ كلما قلبتها أجد بطلتها مخطئة بل بالغة الخطأ في حق هذا الصغير المسكين الذي غرر به أصدقاء المدرسة وأعطوه رابط الصفحة، والصغير بشر تغلبه النزوات، وتضعف إرادته عن المقاومة والثبات.
ومشكلة المواقع الإباحية هذه كانت وقتها في بدايتها وتفاقمت اليوم، وإنتشرت، وأكثر الأمهات إكتشفن المشكلة نفسها بين أولادهن، وما أكثر الطلاب الذين يسعون في الأرض فساداً، وكم يسعدهم توريط الشاب المهذب البريء فيأتونه بعناوين الصفحات وأسماء المواقع ويضعونها في يده أو في شنتطته، ويقضون اليوم المدرسي وهم يتشدقون ويتحدثون عن مغامراتهم. ويرجع الشاب الغر إلى بيته وكلامهم يرن في أذنه، وتضعف نفسه كل يوم، وكيف لا يلين والغريزة قد بدأت تتفتح فيها، فإن لم تسوقه الغريزة قاده الفضول وغلب عليه حب مجاراة الأقران، فيستجيب.
وأستطيع أن أرجح أنه ما من شاب إلا وفتح موقعاً أو اطلع على صورة إلا القليل، وإن الضمير ينام ويغفو، فضعي هذا في حسبانك، وما أجمل أن تستبق الأم الأصدقاء وتنمي لدى ولدها الضمير والأخلاق، وتقوي الوازع الديني لكي يحفظه الأبناء إذا غابوا.
¤ فما العمـــــل؟
إذا صار معك مثل ما صار مع هذه الأم فتظاهري بالجهل، ولا تشيري إلى الموضوع بوضوع، فإن الحياء زين وهو من السنة المباركة «وإن الحياء ما وضع في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه»، وإن إفشاء المعصية خطير ويسوغ الجهر بالسوء من القول من العمل، ويشجع على الوقاحة، ويمهد للإستمرار بالفعل السيء.
والحل بالتوجيه غير المباشر وعلى فترات متباعد أو متقاربة، وقد كان الرسول عليه السلام، يقول ما بال أقوام، ويمكن للأم أن تفتعل قصة أو حادثة وترشد من خلالها، أو تتفق مع والد الطفل على فتح القضية ويتكلمان معاً وكأنهما وحدهما فيسمعهما الصغار، ويكون الكلام عن العاقبة السيئة في الدنيا لمن يعمل السيئات، والعاقبة الحسنة في الدنيا لمن يتورع عنها، فالشباب يميلون للثمرات السريعة، ويصعب عليهم الإنتظار.
وإذا تأكدت الأم من أن ابنها يفتح مواقع فلا تخبره بمعرفتها، ولكن لا بأس بأن تقول الأم أو الأب لولدهما بصراحة ووضوح: يا بني وصلت لمرحلة جديدة من حياتك وقد يخطر في بالك أن تفتح المواقع، وإن المناظر قد تسليك أو ترضيك وتشبع فضولك وتشفي ما يحر في صدرك... ولكنها ستزيدك عذاباً ومعاناة وأنت خارج الزواج، وستكون عليك ناراً بدل أن تكون برداً فإرحم نفسك منها، وإشتغل عنها بالتحصيل السريع حتى تتخرج بسرعة ويجعل الله لك مخرجاً سريعاً بالزواج، واتق الله حتى ييسر لك أمرك.
وأنصح بالنصيحة التي يقولها كل خبير: إشغلي صغيرك بأي شيء مفيد.
والمشكلة كل الأمهات والآباء إستسلموا لقضية جوال خاص لكل طفل، وآيباد ومحمول وأنا ما زلت أصرخ وأحذر ولا مجيب، وهكذا أصبحنا، نسنسلم لكل دخيل علينا، ثم نصرخ: الحقونا، فقد فسد الجيل.
يجب أن نقاوم هذه التكنولوجيا قدر الإمكان، ولا يعطى للصغير الآيباد حتى نهاية المرحلة الثانوية، ويكفي العائلة كلها بضعة كمبيوترات كبيرة ثابتة في البيت يتعاقب عليه الأولاد وتكون في غرفة الجلوس، أما أن يقضوا اليوم كله وهم جالسون أمام الشاشات فهذا يضر الصحة ويضر الدين ويضر الخلق ويضر بالعلاقات العائلية...
وأسأل الله أن يستجيب الناس، فالمسألة خطيرة وكم أدت للإنحراف.
الكاتب: عابدة العظم.
المصدر: موقع منبر الداعيات.